أستمتع دائماً بفكر ومنطق وتحليل وشجاعة د.سعد الدين هلالى، أستاذ الفقه المقارن، الذى ألقى حجراً فى البحيرة الراكدة وتصدى لخفافيش الظلام ورفع القناع السميك، الذى وضعه البعض ممن استغلوا الدين فى أغراض سياسية، عن وجه الإسلام السمح الذى يحترم العقل ويمجد الإنسان ويعلى من قيمة الحرية، لذلك سعدت بقراءة مسودة كتابه الذى لم يطبع بعد «الإسلام وإنسانية الدولة»، أتمنى أن يخرج هذا الكتاب إلى النور بسرعة وأن تهتم به وزارة التربية والتعليم وتوفره فى مكتباتها.

يؤكد الكتاب على أن الإسلام حرر الإنسان من التسلط والوصاية حتى ولو كانت وصاية فقيه، يقول د.سعد فى كتابه الرائع:

- شدد الإسلام على فقهاء المسلمين ودعاتهم أن يتجاوزوا اختصاصاتهم العلمية والبيانية إلى تنصيب أنفسهم أوصياء على المسلمين بما لم يفعله الرسول الذى التزم بوظيفته من التذكير والإبلاغ، كما شدد الإسلام على عموم المسلمين أن يتخذوا علماءهم وفقهاءهم أنبياء أو أرباباً.

- الفقيه يقول رؤيته الاجتهادية ويرفع يده عن الناس وجوباً؛ حتى لا ينصِّب نفسه إلهاً من دون الله. وكما كان الفقيه حراً فى الاجتهاد فإن عامة المسلمين أحرار فى الاختيار من بين أقوال المجتهدين؛ حتى لا يكونوا عبيداً لمن يخيفهم إلا باتباعه.

- وحتى يستمر تحرير الدين من استغلال المتسلطين والأوصياء فقد أقامه الله تعالى على طبيعة إنسانية اختيارية بحيث إذا تخلفت تلك الطبيعة لم يكن الامتثال للعمل ديناً بالتوحيد الإسلامى، ويمكن تسميته باسم آخر كالعادة الجارية أو طاعة السادة والكبراء، أو نحو ذلك. أما أن يزعم صاحب الامتثال فى العمل أنه فى طاعة الله وهو فى الحقيقة يطيع شيخه وإمامه فهذا هو الشرك والضلال؛ لأن الشيخ الحق والإمام الصدق يبين لمستفتيه ما يعرفه من علم فى المسألة ثم يتركه يختار، ولا يخوفه من بعض الوجوه الفقهية الصادرة من أهلها بدعوى بطلانها عند الله؛ لأن أحداً لا يعرف الغيب.

- يستطيع المسلم بدينه أن يعيش فى كل مكان وفى كل زمان وفى كل حال من أحوال الدنيا بسلطان نفسه فى العبادات، وسلطان التزامه فى المعاملات. ولا يحتاج إلى ما ابتدعه الأوصياء بالسلطة الدينية، بل يعتقد المسلم أن وجود سلطة دينية تحمله على أن يفهم الدين بمنطقها البشرى وليس بقناعته الفقهية هى سلطة معادية للدين والإنسانية، أما وجه معاداة السلطة الدينية للدين فمن حيث إقصائها له، والحلول مكانه بما يهدم رسالة الدين التى جاءت تحرر الإنسان من عبوديته لغير الله وبدون واسطة، ولذلك منع الدين المسلم أن ينسب لله حكماً غير نص خطابه وكلامه المقدس. أما الحكم الذى يستنبطه الفقيه من هذا النص فيجب أن ينسبه إلى نفسه.